لعبت الصحف والمجلات الوطنية المحلية دورها في تدشين مفاهيم القومية والعروبة، ومنها «مجلة «القافلة»، و«الميزان»، و«الخميلة»، و«الوطن»، ومجلة «صوت البحرين»
بقلم : د شرف محمد علي المزعل
«إنَّ الأفكار والمفاهيم والرؤى الإصلاحية التي طرحتها مجلة (صوت البحرين) على صفحاتها شكَّلت نبراسًا للأجيال اللاحقة من الشباب للكفاح من أجل استقلال البحرين وعروبتها، وألهمت نظام الحكم بضرورة التغيير والتوجُّه نحو الإصلاح السياسي الشامل وحتميَّته؛ ممَّا مهَّد للعهد الإصلاحي الشامل الذي استهلَّه صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المعظَّم في العام 1999م، والذي أهَّل البلاد لتنضمَّ إلى مصاف الممالك الدستورية ومنح العملية السياسية مضمونًا جديدًا ضمن مشروع وطني جامع تلتف حوله جميع القوى والنُخب السياسية والدولة والمجتمع».
بهذه العبارة اختتمت الدكتورة شرف محمدعلي المزعل بحثها المعنون بـ «الخطاب الإصلاحي للتنمية في البحرين من خلال مجلة صوت البحرين (1950-1954)»، الذي بحثت فيه القواعد التي «أرسى عليها المشروع الإصلاحي لجلالة الملك المعظَّم نظامه العام أضحى عبره الإصلاح تغييرًا جذريًا في الخطاب الإصلاحي السياسي»، وفيما يلي نتابع الحلقة الرابعة للدراسة:
«بقيت البحرين فترة الحرب العالمية الثانية (1939–1945م) دون حراك سياسي يُذكر؛ فانشغل البحرينيون بمتابعة الأحداث العالمية؛ ممَّا ترتَّب عليه نمو الوعي بمفاهيم الوطنية والهُوِيَّة والقومية، كما أن الظروف السياسية الخارجية - مثل حركات التحرر في العالم العربي، والحركات العسكرية العالمية كالحرب العالمية الثانية - كانت لها أثرها البالغ في نمو الوعي، وبروز الفكر القومي.
وقد كان التطوَّر الثقافي الساحة التي ساهمت في استحضار مفاهيم عالمية وإقليمية كمفهوم الرأسمالية، والإمبريالية، والاشتراكية، والشيوعية، ومفهوم الوحدة والقومية العربية. ومع أن تلك الفترة (1939–1945م) قد شهدت توقفًا نسبيًا للمطالب الشعبية، إلَّا أنها في الجانب الآخر من المشهد اختزلت الوعي والنضوج السياسي للعقليَّة البحرينية تزامنًا مع ظهور قيادات قومية عربية أصبح وجودها يمثل قيمة وطنية عالية لدى الجماهير.
وفي عام 1953م؛ أي في الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، حدثت بعض المناوشات بين أتباع الطائفتين الكريمتين؛ ممَّا استدعى معه تدخل زعماء السنة والشيعة لمناقشة الموضوع وإنهاء النزاع الطائفي. وفي سبتمبر من العام 1954م، عمد سُوَّاق سيارات الأجرة (التاكسي) والحافلات إلى شنِّ إضراب احتجاجًا على فرض الحكومة للتأمين على سياراتهم لدى شركات التأمين الأجنبية وبكلفةٍ عاليةٍ، وشارك في الإضراب السنة والشيعة؛ ممَّا وفَّر فرصةً للمعارضة لإثبات قدرات التنظيم الجديد.
ومع تأسيس صندوق التعويضات التعاوني، تصدَّر المشهد حينها عبدالرحمن الباكر، أحد زعماء «هيئة الاتحاد الوطني» لاحقاً، ليكون أول مدير لصندوق التعويضات، «ولم يكن مدلول هذه الخطوة تجاريًا فقط، فقد كان يعني قيام تعاون لأوَّل مرةٍ بين أبناء الطائفتين الكريمتين».
ومع عدم قدرة الحكومة على استيعاب عوامل الزخم السياسي الجديد في البلاد، رأت في دور الباكر في هذه الحوادث الجديدة تحدِّيًا لسلطاتها، وهدَّدته بسحب جواز سفره، وحرمانه من الجنسية. وقد كان رد فعل مؤيِّدي الباكر وغيرهم من العناصر الواعية هو عقد سلسلة من الاجتماعات العامة المُطالبة بإيجاد جبهة متحدة لوضع حد لتسلُّط المستشار البريطاني تشارلز بلجريف. وقد أسفرت هذه الاجتماعات عن تشكيل «هيئة الاتحاد الوطني»، المُكوَّنة من 8 مواطنين من الشيعة والسنة مُناصفةً، وحظيت بتأييد شعبي عارم. وفي نوفمبر 1954م، طالبت الهيئة بإنشاء مجلس تشريعي يمثِّل كلَّ فئات الشعب بالانتخاب الحرِّ، لكن الحكومة رفضت هذا المطلب وأبدت مرونة بالنسبة إلى المطالب الأخرى؛ لذا «قرَّرت الهيئة إعلان الإضراب العام في البلاد؛ ممَّا دفع الحكومة للإعلان عن بعض الإصلاحات، لكن الهيئة طالبت بإصلاحات أكثر جذريةً».
من هذا المنطلق، توجَّه الخطاب الإصلاحي في البحرين في تلك الفترة التاريخية نحو المطالبة بإصلاح الأوضاع الاجتماعية للمواطنين من الداخل، والحدِّ من طموحات الاستعمار في الهيمنة على مقدَّرات البلاد.
وضمن هذا السياق التاريخي، لعبت الصحف والمجلات الوطنية المحلية دورها في تأصيل مفهومي القومية والعروبة، ومنها مجلة «القافلة»، و«الميزان»، و«الخميلة»، و«الوطن»، ومجلة «صوت البحرين» التي «برزت فيها المقالات الدورية المساهمة في نشر الفكر القومي العروبي في البحرين».
ونخلص ممَّا سبق إلى أن علامات الوعي السياسي في البحرين قد ظهرت في بداية القرن العشرين مع بروز الحركة السياسية المطلبية في عام 1919م بقيادة الشيخ عبدالوهاب الزياني الذي التفَّ حوله أهل البحرين ممَّن أظهروا معارضتهم للحماية البريطانية على البلاد. وقد ساهم تشكُّل الدولة الحديثة، ودخول البلاد مرحلة التطوير المؤسَّسي، وتعاظم الحراكَين الاقتصادي والاجتماعي في نشر الوعي في المجتمع البحريني. وقد لعبت وسائل الإعلام المحلية، إلى جانب الأندية الثقافية والرياضية دورًا محوريًا في التعبئة السياسية لأفراد الشعب، وتزامنت تلك الجهود مع تصاعد المدِّ القومي العروبي في المنطقة العربية، واحتضان البحرينيين للآيديولوجيات العالمية والقومية ومنها الحركة القومية العربية؛ فتصاعدت في المقابل الحركة المطلبية المحلية، والمطالبة بالحرية والعدالة والمساواة، وإجراء إصلاحات عميقة في نظام الحكم.
ومع أنَّ الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة حاكم البحرين وتوابعها حينئذٍ، أبدى مرونةً شديدةً في التعاطي مع المطالب الإصلاحية الشعبية، فقد رفضت القوى الاستعمارية الأجنبية هذه المطالب بصفتها تهديدًا مباشرًا لهيمنتها، غير أن ممثلي الحركة الإصلاحية في البلاد أصرُّوا على تلبيتها.