«إنَّ الأفكار والمفاهيم والرؤى الإصلاحية التي طرحتها مجلة (صوت البحرين) على صفحاتها شكَّلت نبراسًا للأجيال اللاحقة من الشباب للكفاح من أجل استقلال البحرين وعروبتها، وألهمت نظام الحكم بضرورة التغيير والتوجُّه نحو الإصلاح السياسي الشامل وحتميَّته؛ ممَّا مهَّد للعهد الإصلاحي الشامل الذي استهلَّه صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المعظَّم في العام 1999م، والذي أهَّل البلاد لتنضمَّ إلى مصاف الممالك الدستورية ومنح العملية السياسية مضمونًا جديدًا ضمن مشروع وطني جامع تلتف حوله جميع القوى والنُخب السياسية والدولة والمجتمع».
بهذه العبارة اختتمت الدكتورة شرف محمدعلي المزعل بحثها المعنون بـ «الخطاب الإصلاحي للتنمية في البحرين من خلال مجلة صوت البحرين (1950-1954)»، الذي بحثت فيه القواعد التي «أرسى عليها المشروع الإصلاحي لجلالة الملك المعظَّم نظامه العام أضحى عبره الإصلاح تغييرًا جذريًا في الخطاب الإصلاحي السياسي»، وفيما يلي نتابع الحلقة الخامسة للدراسة:
المبحث الثاني: تحليل الخطاب الإصلاحي في مجلة «صوت البحرين»
في افتتاحية العدد الأول لمجلة «صوت البحرين» التي صدرت في عام 1950م؛ لتغطية المجالات الأدبية والاجتماعية في البلاد بشكل شهري على أيدي نخبة من المثقفين والأدباء أطلقت على نفسها «لجنة من شباب البحرين» لتمثل المجلة آنذاك إحدى ثمرات الدور الرائد للحركة الأدبية الحديثة لصحيفة «البحرين»، في الافتتاحية كتب إبراهيم كمال: «في ظل حكومةٍ تنتهج نهجًا ديموقراطيًا يبيح حرية القول والفكر، فنحن نستطيع أن نقول للمُحسن: أحسنت، وللمُسيء: أسأتَ، دون أن نطمع في إثابةٍ أو نخشى من وعيدٍ»، ويواصل كمال الإضاءة على الأسباب التي دفعت هذه النخبة إلى إصدار المجلة وذلك لتلبية «احتياج البلاد إلى مجلةٍ تعكس صورة حقيقية لما يقبع في مشاعرنا من خواطر وآمال نهدف منها إلى تهيئة أنفسنا لحياة ومستقبل أفضل» كما يقول. ولكون التقويم المعتمد في البحرين في تلك الفترة هو التقويم الهجري، فقد كان رقم العدد هو رقم الشهر الهجري المُطابق له.
وفي إضاءة أخرى يبيِّن محمود المردي سكرتير تحرير مجلة «صوت البحرين» الهدف من صدور المجلة في «انتشال شباب البحرين من حياة الخمول والكسل، ليحذو حذو الشباب العربي في البلدان الأخرى الذين وضعوا اللبنات لنهضة فكرية». وقد حظت هذه الخطوة بمباركة الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة حاكم البحرين وتوابعها في تلك الفترة (1942-1961م)، والذي «وعد بتقديم كل ما يلزمنا من عون وتشجيع» لتكون المجلة «مرآة صادقةً لآمالنا ومشاعرنا في الإصلاح».
وقد صدر 46 عددًا من مجلة «صوت البحرين» على مدار سنوات صدورها (أغسطس 1950 - يوليو 1954م)، وتعاظمت شعبيَّة المجلة مع زيادة عدد الأقلام المشاركة في تحرير موادِّها الصحفية. وكانت المجلَّة تُطبع في بيروت، ليُصار إلى شحنها وتوزيعها في البحرين، وفي بلدانٍ خليجيةٍ أخرى. وتمثل مجلة «صوت البحرين» حينها علامةً فارقةً في تاريخ الصحافة البحرينية؛ إذ حفلت أعدادها بكثير من الموضوعات المتنوعة ذات الطرح المتزن واللغة الرصينة، وتميزت بالتنوع والشمول، من حيث معالجة القضايا الفكرية والأدبية والتاريخية والسياسية والاجتماعية. وتضم أسرة التحرير كلاً من: عبدالرحمن الباكر، وعبدالعزيز سعد الشملان، وهما عضوا هيئة الاتحاد الوطني، وحسن جواد الجشي، رئيس المجلس الوطني (البرلمان) عام 1973م، وعلي التاجر، وغيرهم من الأدباء والمثقفين.
ومن حيث المحتوى، فإن المجلة «تُعبر بصدقٍ وعفويةٍ عن مجتمع البحرين في خمسينيات القرن العشرين، وتُعدُّ مرآة تعكس أوضاع المجتمع البحريني وشؤونه وتوجهاته الأدبية والفنية والاجتماعية والسياسية»، وقد ساهمت مجموعة من الأدباء والكتاب في داخل البحرين وخارجها من الأقطار العربية في تعميق الوعي الثقافي والسياسي والذوق الأدبي للقراء، وكان النَفَس الوطني والقومي بارزَين بوضوح في موادِّها، وفي مجمل المشهد السياسي والاجتماعي للبلاد. ولتحليل خطاب المجلة نستعرض الآتي:
أولًا: أساليب الخطاب الإصلاحي
برز الخطاب الإصلاحي للمرة الأولى في العدد الخامس من مجلة «صوت البحرين»، وتحديدًا في مقال بعنوان «القومية العربية في مهبِّ الرياح» للكاتب تقي البحارنة (1370ه: ص. 3)، حين عبَّر الكاتب عن «ضرورة الإصلاح للمجتمع العربي المعاصر» في تلك الفترة بالذات. وقد استخدم الكاتب أسلوب المحاكمة العقلية لإقناع القارئ بالاضطراب في الرأي، وضياع النظرة الثاقبة لدى الحركة القومية العربية، وعدم إدراكها لحقيقة ارتباط عناصر الوعي العربي بالثقافة الإسلامية، وعدم استيقاظها بعد من صدمة «الحياة الأجنبية الطارئة». كما استخدم الأسلوب الترغيبي حينما توسَّل «الغاية التوحيدية للمجتمع الإسلامي الصحيح» في تسويق الفكرة الداعية إلى «توحيد الجهود المبعثرة لأبناء الأمة العربية نحو تحقيق الغايات المشتركة» (ص. 6).
ومن واقع ارتباط الإصلاح السياسي في المجتمع العربي بضرورة نهضة الأمة العربية من سباتها العميق، يستخدم الكاتب رياض الأزهري (1370ه) الأسلوب المنطقي للبرهنة على أن جوهر النهضة يتمثل في «إدراك العرب لحقوقهم وواجباتهم العامة، وتنشئة الأجيال العربية على التثقُّف والعمل بها»؛ ومحدِّدًا أساس هذه النهضة في التربية الوطنية (المدنية) للمواطن الصالح، والتي «تضع نصب عينيها غرس روح المحبة للتاريخ العربي والأرض العربية والحياة العربية» (ص. 11). ومن منطلق الوطنية الصحيحة، يناشد دويغر (1370ه، ص. 13)، والحادي (1370ه، ص. 30)، الأثرياء بتبنِّي المشروعات الجليلة النافعة لمواطنيهم، كبناء المعاهد والمستشفيات، والإنفاق على البعثات العلمية في الخارج، غير أنه يلجأ إلى الأسلوب العاطفي في الإقناع حينما يدعو المواطن إلى أن يسعى لإشادة ملجأ يضمُّ العجزة والمتسوِّلين، «فيقضي بذلك على التسوُّل ويحفظ كرامة وطنه ويصون ماء وجه أمَّته أمام هؤلاء الأجانب الذين يعدُّون التسوَّل من أكبر النقائص» (ص. 14).
ونستخلص ممَّا تقدَّم أن دعاة الخطاب الإصلاحي في مجلة «صوت البحرين» استخدموا الأسلوب المنطقي - الترغيبي في نشر أفكارهم الرامية إلى إصلاح المجتمع، وقاموا بتوظيف أسلوب التفكير التحليلي وتفكيك الفكرة إلى عناصرها، وإدراك علاقاتها الداخلية وتنظيمها (Talbot, 2007). وهذا الأسلوب أكثر إقناعًا للناس ذوي المستوى التعليمي البسيط والخبرة السياسية المحدودة من أسلوب التفكير التركيبي المُستخدم في مخاطبة الفئات الأكثر تعليمًا وخبرةً (Sternberg, 1997)؛ إذ يتم دمج المفاهيم والأفكار والآراء، وتطبيقها في مواقف معرفية جديدة للخروج بفكرةٍ ذات قيمةٍ عاليةٍ.